بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل إلى فقه السيرة
والسيرة لغة: السنة والطريقة (المعجم الوسيط، ومختار الصحاح).
وتطلق ويراد بِها طريقة سير الإنسان في هذه الحياة، ومعنى سيرة فلان أي طريقته ومسيرته وما كان عليه شأنه في حياته.
السيرة النبوية من حيث اللغة مسيرة حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكيف سارت أيامه ولياليه.
التعريف بالاصطلاح: هي ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من مولده إلى وفاته، إلا أن أهل السير ضموا إلى سيرته العطرة ما قبل ولادته - صلى الله عليه وسلم -، لأنه له ارتباط بسيرته من وجهين:
1- وصف الحالة قبل مولده ومبعثه لينظر ما كان فيها من انحراف في الاعتقاد وانحلال في السلوك، وكيف آلت الأمور بعد ذلك.
2- لوجود بعض الإرهاصات والعلامات والبشارات ذات الصلة بمولده.
ومن هنا قسم العلماء سيرته - صلى الله عليه وسلم - إلى ثلاثة أقسام، هي:
1-المبتدأ: والمراد به مبتدأ العالم من خلق آدم والرسالات من بعده، وقصص السابقين من الأمم الغابرة.
2- المبعث: والمراد به ما كان قبل مبعثه من المولد والرضاعة والنشأة قبل البعثة.
3- المغازي: وهي التي تشكل جزءاً كبيراً من السيرة في الفترة المدنية.
العلوم ذات الصلة بالسيرة:
أولاً: السنة:
والسنة هي ما أضيف إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خُلْقية أو خُلِقُية.
وتعنى كتب السنة في الغالب بتتبع الألفاظ والأحوال المتعلقة بالعقائد والأحكام، وليس لها ارتباط بالأحداث والتاريخ.
ثانياً: الدلائل:
والدلائل جمع دليلة وهي العلامة على الشيء، وتسمى أيضاً علامات النبوة.
والمقصود بها ما كان علامة إثبات وصدق نبوة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ويدخل في الدلائل ما يلي:
1- تبشير الرسل والأنبياء به - صلى الله عليه وسلم -.
2- تبشير الكتب السابقة به - صلى الله عليه وسلم - من التوراة والإنجيل والزبور وقبل ذلك صحف إبراهيم- عليه السلام -.
3- ما أخبره الكهان والرهبان بقرب مبعث نبي وأنه يكون من أمره كذا وكذا.
4- طهارة النبي- صلى الله عليه وسلم - في آبائه وأجداده ونسبه وكونه مصطفى.
5- ما ورد في شأن ولادته.
6- إخباره - صلى الله عليه وسلم - بالأمور الغيبية، والتي حدثت أو ستحدث.
وممن صنف في هذا المجال:
1- الإمام أبو نعيم الأصبهاني في كتابه دلائل النبوة(مطبوع في مجلد واحد، تحقيق د. القلعجي).
2- دلائل النبوة للإمام البيهقي(مطبوع في سبع مجلدات).
ثالثاً: الخصائص:
والخصائص هي جمع خصيصة: وهي ما كان مختصاً بشيء أو مختصاً به ذلك الشيء.
والخصائص هي ذكر ما انفرد به النبي - صلى الله عليه وسلم - من غيره:
1-من الأنبياء مثل كونه خاتم الأنبياء والمرسلين، ونزول القرآن عليه المعجزة الخالدة وغيرها.
2- من سائر أمته في الأحكام الخاصة به، مثل جواز التعدد له بأكثر من أربع وغيرها.
3- ما انفردت به أمته عن غيرها من الأمم مثل حل الغنيمة وأنها شاهدة على الأمم السابقة.
وأشهر كتب الخصائص: كتاب الخصائص الكبرى للإمام السيوطي، وكتاب(الأنوار بخصائص المختار) للإمام ابن حجر العسقلاني.
رابعاً: المعجزات:
والمعجزات جمع معجزة وهي كل ما يعجز عنه الغير. وفي الاصطلاح هو الأمر الخارق للعادة، يظهر على يدي مدعي النبوة تصديقاً لنبوته، يتحدى به غير أو يتحدى به أتباعه.
والمعجزات حسية ومعنوية:
القرآن الكريم معجزة حسية ومعنوية:
ومن المعجزات الحسية للنبي- صلى الله عليه وسلم - انشقاق القمر-نبع الماء من بين أصابعه- سلام الحجر عليه وتسبيح الحصى له.
ومن أشهر من كتب في هذا الشيخ عبد العزيز السلمان في كتابه معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -.
خامساً: المغازي:
والمغازي جمع غزوة والفرق بين الغزوة والسرية هي أن الغزوة ما كان فيها، مشاركة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والسرية تكون فيها بعث أصحابه.
ومن أشهر من كتب في هذا:
(1) مغازي ابن إسحاق.
(2) مغازي الواقدي.
سادساً: السير:
والسير جمع سيرة، وهو في الحقيقة يعني جزء من الغزوات، إلا أن يكون التصنيف في هذا النوع تميز بدراسة النظام الإسلامي في مسائل الدولة والنواحي العسكرية والتعامل مع المنهزمين والجهاد وشؤونه، وما ينبغي قبل لقاء العدو وأحكام الحرب والسلم. ومن أشهر من كتب في هذا:
(1) كتاب السير للإمام الأوزاعي.
(2) كتاب السير الكبير والصغير لمحمد بن الحسن الشيباني.
(3) كتاب شرح السير الكبير للسر خسي.
سابعاً: حقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم -:
وهو ما يتعلق بالآداب والحقوق اللازمة للرسول- صلى الله عليه وسلم - ويبدأ هذا الباب بـ
1- وجوب تصديقه والإيمان تصديق ما جاء به ووجوب محبته.
2- وجوب نصرته ونصرة دينه ووجوب محبة آله.
3- وجوب الاقتداء به.
ومن أشهر من كتب في هذا:
(1) كتاب الشفا بحقوق المصطفى للقاضي عياض.
(2) المواهب اللدنية في المنح المحمدية لشهاب الدين القسطلاني.
ثامناً: الشمائل:
وهي الخصال الحسنة والطبائع الحسنة في السيرة، فهي التي تتعلَّق بصفات النبي - صلى الله عليه وسلم - الباطنة والظاهرة، ومنها دوابه وسيوفه وأحواله الحياتية من شرابه وطعامه ومن أخلاقه تواضعه وحلمه وصدقه وشجاعته.
ومن فوائد ذكر الشمائل:
1- معرفة الشمائل المحمدية وسيلة إلى امتلاء القلب بتعظيمه، وذلك وسيلة إلى تعظيم شريعته، وتعظيم الشريعة واحترامها وسيلة إلى العمل بها.
2- معرفة الشمائل سبب لمعرفة حسنه وإحسانه - صلى الله عليه وسلم -، وذلك داع إلى محبته، ومحبته - صلى الله عليه وسلم - هي روح الإيمان.
3- العمل بهذه الشمائل ونشرها بين الناس فيه خدمة عظيمة له - صلى الله عليه وسلم -.
4- نشر شرعه فيه كل الخير والسعادة.
5- حصول التلذذ بذكر شمائل النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ومن أشهر من كتب في هذا:
(1) شمائل النبي- صلى الله عليه وسلم - للإمام الترمذي.
(2) الأنوار في شمائل النبي المختار - صلى الله عليه وسلم - للإمام البغوي.
فوائد دراسة سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -:
1- معرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعميق الإيمان به، وفهم شخصيته - صلى الله عليه وسلم -.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني مات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" رواه مسلم.
والسيرة تظهر من خلال أحداثها صدق نبوته وصحة رسالته، وتدفع كل الشبه التي تثار حول هذه النبوة التي يجب الإيمان والتصديق بها، ولا يكمل إيمان المرء وإسلامه إلا بها، فهو لم يكن عبقرياً متميزاً ولا مصلحاً.
وها هو الصحابي الجليل سلمان الفارسي، كان مجوسياً ثم صار نصرانياً، وظل يبحث عن
الحقيقة حتى وصل إليها بالتعرف على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتأكد من أنه رسول الله. يقول سلمان:
(خرجت أبتغي الدين فوقعت في الرهبان بقايا أهل الكتاب، قال الله - عز وجل -:
{يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} فكانوا يقولون هذا زمان نبي قد أطل يخرج من أرض العرب له علامات من ذلك شامة مدورة بين كتفيه خاتم النبوة، فلحقت بأرض العرب وخرج النبي- صلى الله عليه وسلم - فرأيت ما قالوا كله ورأيت الخاتم، فشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) [رواه الطبراني ورجاله ثقات 8/241].
2- تعظيم محبته - صلى الله عليه وسلم -.
ومحبته طريق لمحبة الله تعالى {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} وهي فرض لازم وأمر مؤكد، عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" رواه البخاري.
وعندما أخبر عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- النبي - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: " يا رسول الله لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر: فإنه الآن والله أنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
الآن ياعمر" رواه البخاري.
عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار"رواه البخاري.
والمحبة ليست أراجيز وأشعاراً، ولكنها أحاسيس ومشاعر يصدقها العمل ويثبتها الاتباع.
تعصي الإله وأنت تزعم حبه *** هذا محال في القياس شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع
قال حسان بن ثابت:
والله ما حملت أنثى ولا وضعت *** مثل الرسول نبي الأمة الهادي
ولا بنى الله خلقاً من بريته *** أوفى بذمة جار أو بمعياد
من الذي كان فينا يستضاء به *** مبارك الأمر ذا عدل وإرشاد
يا أفضل الناس إني كنت في نهر *** أصبحت كمثل المفرد الصادي
3- تيسير الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم -:
قال تعالى"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.." فالسيرة تبرز صورة للمثل الأعلى من الكمال الإنساني في كل شأن من شئون الحياة الفاضلة، فقد تجمع في شخصه ما تفرق من كمال في الصفات والخلال، والأقوال والأفعال.وفي الحديث: " من أحب الله، ومن أحبني أطاعني ومن أطاعني دخل الجنة".وقال - تعالى -: " من يطع الرسول فقد أطاع الله".
4- تعريف بأنواع من العلوم والأحكام الإسلامية:
"صلوا كما رأيتموني أصلي" "خذوا عني مناسككم" وهذا يحصل لدارس السيرة على قدر كبير من المعارف في علوم الإسلام المختلفة من عقيدة وشريعة وأخلاق وتفسير وحديث وسياسة وغيرها، وكل ذلك من خلال تطبيق عملي واقعي.
5- الإعانة على فهم القرآن الكريم وتذوقه:
فالسيرة تصوير لأحوال نزول القرآن الكريم وبيئته، وبيان لأسباب النزول، وإظهار لتفاصيل ما أجمل في القرآن من الأحداث، وإبراز لحكمة التشريع ونحو ذلك، من ذلك ما ذكره ابن كثير في تفسيره(2/49) عن عروة(قال: قلت لعائشة: أرأيت قول الله - تعالى -: " إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما" قلت فو الله ما على أحد جناح أن يتطوف بهما فقالت عائشة بئسما قلت يا ابن أختى إنها لو كانت على ما أولتها عليه كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ولكنها إنما نزلت أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها ثم المشلل وكان من أهلَّ لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة فسألوا عن ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة في الجاهلية فأنزل الله - عز وجل - إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما" قالت عائشة:
قد سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطواف بهما فليس لأحد أن يدع الطواف بهما) أخرجاه في الصحيحين البخاري: 1643ومسلم: 1277)، ومن ذلك ما أشكل على بعض التابعين في قوله تعالى: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم". قال مروان بن الحكم وكان والياً على المدينة اذهب يا رافع لبوابه إلى ابن عباس فقل: لئن كان كل امرئ منّا فرح بما أتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً لنعذبن أجمعون، فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب سألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم) مسلم(4/2142).
6- تعليم لفقه الدعوة وبيان مراحلها:
كيف بدأت الدعوة سراً، ثم تحولت جهراً وكيف كانت سلماً وكفاً ثم صارت جهاداً وحرباً، وكيف تنوعت الأساليب الدعوية التي كان لها الأثر الكبير في دخول الناس في دين الله أفواجاً، وكيف تكون طرائق التعليم النافعة؟ وأساليب التربية الناجحة؟ وفي وصيته لمعاذ دليل على ذلك:
عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لّما بعث معاذاً إلى اليمن قال له إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم زكاةً تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، وإياك وكرائم أموالهم واتَّقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب.
وكذلك وصيته - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ وأبي موسى، قال لهما: (يسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا، قال أبو موسى يا رسول الله إنا بأرض يصنع فيها شراب من العسل يقال له البتع وشراب من الشعير يقال له المزر، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كل مسكر حرام) البخاري 5/2269.
7- فهم حقيقة وطبيعة هذا الدين:
ليس بالإيمان والصلاح، ولا بالذكر والدعاء وحده يقوم الدين، فضلاً عن أن يكون بمجرد الانتساب، والتبرك بالقبور والتمسح بالأعتاب، ولكن الدين لابد له من مؤمنين يحملونه وينشرونه ويجاهدون في سبيله وإن لاقوا في سبيله ما لاقوا.
يقول حذيفة واصفاً ما لاقاه الصحابة الكرام في غزوة الأحزاب، مخاطباً أحد التابعين: يا ابن أخي، والله لو رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخندق وصلى رسول الله عليه وسلم هويا من الليل ثم التفت فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم يشترط له النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرجع أدخله الله الجنة، قال فما قام رجل، ثم - صلى الله عليه وسلم - هويا من الليل ثم التفت إلينا فقال مثله فما قام منا رجل ثم صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هوياً من الليل ثم التفت إلينا فقال من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع يشترط له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجعة أسأل الله - تعالى -أن يكون رفيقي في الجنة فما قام رجل من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد، فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني، فقال - صلى الله عليه وسلم - يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون ولا تحدثن شيئاً حتى تأتينا) ابن كثير (3/472). فالرسول يضمن لمن يذهب العودة، ويكون رفيقه في الجنة، ومع ذلك من شدة الجهد والجوع والخوف لم يقم أحد.
وفي غزوة أحد يقاتل النبي- صلى الله عليه وسلم - المشركين، ويتكاثرون عليه، ولم يثبت معه من الصحابة إلا نفر قليل، ويصاب - صلى الله عليه وسلم - في وجهه الشريف، وتدخل حلقة المغفر في وجهه، وتكسر رباعيته، ويمسح الدم عن وجهه الشريف، وهو يقول: (كيف يفلح قوم أدموا وجه نبيهم، وهو يدعوهم إلى الله - عز وجل - فنزلت" ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون"(1)
8- تجلية الحقائق وتعرية الشبهات:
في شأن الجهاد، وضع المرأة في الإسلام، أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فضلاً عن حقيقة الوحي والنبوة والرسالة.
- لم يكن النبي- صلى الله عليه وسلم - يحب القتال لمجرد سفك الدماء، فهو - صلى الله عليه وسلم - الرحمة المهداه، ولم يكن يلجأ - صلى الله عليه وسلم - للقتال إلا لدفع الأعداء الذين يقفون في وجه نشر دعوة الإسلام التي أمره الله بتبليغها، ولذلك يقول - صلى الله عليه وسلم -(أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)(2)، فجعل للقتال غاية وهدفاً، وهي إزالة العقبات التي تعيق نشر الدعوة للقضاء عليه.
- وهاهي وصاياه - صلى الله عليه وسلم - لأمرائه على الجند تتجلى فيها الرحمة بكل صورها، فعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم وادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن بجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فأسألهم الجزية، فإن هم أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك؛ فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك؛ فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا) مسلم 3/1357، - وفي قضية المرأة، فقد أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرأة حقها، ومات وهو يوصي بها ويقول: (استوصوا بالنساء خيراً) شهد له بذلك الناس كلهم حتى الكفار منهم.
- وأما ما يقال في حقه - صلى الله عليه وسلم - من أنه كان شهوانياً لأنه كان تزوج من عدد من النسوة فكلام لا رصيد له من الواقع. ولو كان كذلك لما تزوج وهو شاب في الخامسة والعشرين وفي عنفوان الشباب وربيع العمر من خديجة وهي في الأربعين، ولما تزوج سودة وقد قاربت الستين، ولما تزوج امرأة ثيباً، وكل أزوجه ثيبات عدا أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- فقد كانت البكر الوحيدة بينهن، ومن حكم زواجه - صلى الله عليه وسلم - منها تقوية الصلة بأبيها أبي بكر، ولتكون وعاءً للسنة النبوية تنقلها للأجيال من بعده - صلى الله عليه وسلم -، فلم يكن - صلى الله عليه وسلم - يتزوج إلا لحكمة، كمواساة أرملة أو تأليف قوم أو تقريب شخص، أو غير ذلك من الحكم التي ليس هذا موضع بيانها.
9- تمييز السنن والمبتدعات:
تجلية العقيدة الصحيحة، ونشر السنة ومحاربة البدعة، كان هدفاً للنبي- صلى الله عليه وسلم - تجلى في مواطن كثيرة من سيرته - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك يقول" من أحيا سنة قد أميتت بعدي له من الأجر مثل أجر من عمل بها من الناس لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن ابتدع بدعة لا ترضي الله ورسوله فإن له مثل إثم من عمل بها من الناس لا ينقص من آثامهم شيئا" رواه الترمذي والنسائي. واليوم كثير من السنن اندثرت، وكثير من البدع انتشرت، وفي سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - خير قدوة لمن أراد محاربتها. ذكر ابن كثير: (عن أبي واقد الليثي قال خرجنا مع رسول ال-له - صلى الله عليه وسلم - قبل حنين فمررنا بسدرة فقلت: يا نبي الله اجعل لنا ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ويعكفون حولها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - الله أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة إنكم تركبون سنن من قبلكم) أورده ابن جرير ورواه ابن أبي حاتم من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده مرفوعاً) ابن كثير(2/244).
وعن زيد بن خالد الجهني قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية في إثر السماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم.
قال: قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) مسلم(71/83).
10- معرفة الموازين الصحيحة وتصحيح الأوضاع السقيمة:
لا سيما في بيئة قبلية يتفاخر أفرادها بأنسابهم، فجاءهم بالميزان الصحيح وهو التفاضل بالتقوى، لا فضل لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى) وآخى بين أصحابه، وزوج زينب الشريفة من مولاه زيد، وكانت زينب بنت جحش ممن هاجر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت امرأة جميلة، فخطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -على زيد بن حارثة، فقالت: لا أرضاه وكانت أيم قريش قال: فإني قد رضيته لك فتزوجها زيد. الحديث) المستدرك(4/25).
فآخى صهيباً وآوى بلال ***ونادى بسلمان في الأقربين
وقال - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه حين ضحكوا على حمش ساق ابن مسعود وهو يصعد النخلة تضحكون من ساق توزن بعمل أهل الأرض) القرطبي(11/67).
وعن سهل قال مر رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح: وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يستمع، قال: ثم سكت فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يستمع، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - هذا خير من ملء الأرض مثل هذا) البخاري(2308/1958).
11- معرفة طبيعة الجاهلية والكفر ومعاداته للحق وأهله:
لقد أخبر الله رسوله والمؤمنين عن طبيعة الكفر وأهله، وموقفهم من الإسلام وأهله، ألا وهو موقف العداوة المستمرة، قال - تعالى -: "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا" ومن المواقف التي تجلت فيها هذه العداوة:
- إخراج كفار قريش المهاجرين من بيوتهم في مكة، وأجبروهم على الهجرة إلى الحبشة، لأن الباطل لا يقبل التعايش مع الحق، قال - تعالى -: " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله". وقال - تعالى -: " وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد"فهاجر الصحابة إلى الحبشة مرتين، ثم هاجروا إلى المدينة، وهاجر رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بعد أن حاولت
قريش قتله ومنعه، وحاول الكفار اجتثاث الإسلام في بدر وأحد والخندق، ولكن"ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً".
-لم يكتف كفار قريش بإخراج المهاجرين إلى الحبشة، بل أرسلوا وفداً إلى النجاشي ملك الحبشة يستعديه عليهم، ويحرضه ضدهم، ليردهم إلى مكة ليواصلوا تعذيبهم وصدهم عن دينهم.
- وكما كان موقف المشركين كان موقف اليهود والنصارى، قال - تعالى -: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل إن هدى الله هو الهدى".
12-معرفة جيل الصحابة وقدرهم:
- ومعرفة ما قدموه لدعوة الإسلام من تضحية حتى نالوا رضا الله - تعالى -: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان - رضي الله عنهم - ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم""لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة" وحتى قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) رواه البخاري (3470، 3/1343) ومسلم(2540، 4/1967).
- ومن الأمثلة العظيمة أنس بن النضر، عن أنس - رضي الله عنه - قال غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال يا رسول الله: غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء(يعني أصحابه) وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجدر ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين حصولاً بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه" إلى آخر الآية) رواه البخاري(2651، 3/1032).
مصادر السيرة القديمة:
أولاً: القرآن الكريم:
وذلك لاشتمالة على كثير من الأحداث ووقائع السيرة، وهو المصدر الموثق والثابت بالتواتر والمقطوع بكل ما جاء فيه من الآيات:
ومن المعالم الواضحة للسيرة في القرآن الكريم:
أ- تناول القرآن للملامح العامة للأحداث الأساسية: دون التفصيل في جزئيات السيرة، والقرآن لا يذكر أحداث السيرة بتسلسل تاريخي مثل ذكر غزوة بدر في سورة الأنفال. قال - تعالى -: "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون* يجادلون في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون* وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين* ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون* إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين*وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله، إن الله عزيز حكيم*إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام*إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان* وفي أحد يقول الله - تعالى -في سورة آل عمران: " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم* إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون* ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون*إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين* بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين*وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم* وفي غزوة الأحزاب نزلت سورة الأحزاب، كما نزلت سورة الحشر في غزوة بني النضير، ونزلت سورة التوبة في غزوة تبوك، وحنين.
وكما ذكرت الغزوات ذكرت طفولة النبي - صلى الله عليه وسلم - في سورة الضحى، وموقفه من ابن مكتوم في سورة عبس، وغير ذلك من المواقف.
ب- تميز الأسلوب القرآني بالإعجاز البياني والتأثير الإيماني: فنحن نعلم أن القرآن الكريم معجز في أسلوبه البلاغي، وهذا له تأثير إيماني عميق على الإنسان ومشاعره عندما يستمع إلى حدث من أحداث السيرة في القرآن الكريم، وتأمل في ذلك قول الله- تعالى- مخاطباً المؤمنين بعد غزوة أحد: "وما كان لنفسٍ أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين* وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين* وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين*فاتآهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين*".
ج- إبراز اللفتات التربوية وإظهار السنن الربانية: فليست الآيات القرآنية تذكر الأحداث مجردة ولكن هناك تعقيب رباني للأحداث في ذكر لفتات تربوية أو ذكر سنة ربانية، مثل ذكر الآيات المذكورة في أعقاب
الغزوات بدر وأحد.
مثل قوله - تعالى -: " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين" ومثل قوله - تعالى -: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين: وذكره - سبحانه - لقوانين النصر في سورة الأنفال: " يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون* وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين* ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط*"وكذلك بيانه لسبب الهزيمة في أحد، في قوله - تعالى -: "أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير".
د- العناية والتحليل النفسي والربط التاريخي: فالآيات القرآنية تذكر الصفات النفسية لليهود وتحليلاتها من الجبن والخوف والحقد والحسد، وكذلك ذكرت الآيات المنافقين وحللت نفوسهم في سورة التوبة، وكذلك حللت نفوس المؤمنين واشتياقهم لطاعة الله ورسوله وتأثيرهم في ذلك.
ففي نفسية اليهود يقول - تعالى -: لأنتم أشد رهبةً في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون*لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنةً أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون* "وإذا رايتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون*وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون*سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين"
ووصف نفسية الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك:
" وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلآ إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله التواب الرحيم* وقد حاول بعض المعاصرين رسم ملامح السيرة في القرآن الكريم منهم:
1- السيرة النبوية في ضوء القرآن الكريم لمحمد عزة دروزة.
2- السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة لمحمد محمد أبو شهبة.
ثانياً: كتب السنة النبوية المطهرة:
وأيضاً للسيرة معالم في كتب السنة منها:
1- عدم التقيد بالسرد التاريخي المتتابع لأحداث السيرة.
2- العناية الكاملة بالأسانيد لجميع الروايات الواردة في أحداث السيرة.
3- ليس بالضرورة وجود الروايات مسندة أنها صحيحة إلا الروايات الموجودة في الصحيحين.
4- الاجتزاء من أحداث السيرة بحسب ما يحتاجه في الرواية.
من أشهر كتب السنة التي ذكرت أحداث السيرة هي:
1- صحيح الإمام البخاري: وهو من أشهر من جمع في السيرة، وقد جمع أبواباً كثيرة في السيرة، مثال ذلك كتاب الجهاد وكتاب المغازي وكتاب فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة، وقد نهج البخاري أن يختار الراوي من الصحابة للرواية ممن شهد الحادثة أو كان جزءاً منها مثل رواية عائشة في حادثة الإفك، ورواية كعب بن مالك في حادثة المخلفين عن غزوة تبوك وغيرها.
2- صحيح الإمام مسلم.
3- سنن الترمذي.
4- سنن أبي داود.
5- سنن ابن ماجه.
6- سنن النسائي.
7- مسند الإمام أحمد.
8- كتب الطبقات: التي تذكر سير الصحابة، فقد كانت هذه الكتب تروي في سيرة كل صحابي الأحداث التي حدثت معه.
ثالثاً: كتب الشمائل:
فقد تروي أحداثا، حيث إن من مواد الشمائل مثل كتاب الأدب والاستئذان وغيرها مثل كتاب الشمائل للإمام الترمذي وكتاب الأنوار من شمائل النبي المختار للإمام البغوي.
رابعاً: كتب الدلائل والمعجزات:
وهي كتب تذكر أحداث السيرة من خلال عرض المعجزات التي أيد الله بها نبيه محمداً
- صلى الله عليه وسلم - ومن أشهرها كتاب دلائل النبوة للبيهقي..
خامساً: كتب المغازي والسير:
حيث إن كتابة أحداث السيرة والمغازي قديم من القرن الأول، وأول من كتب وروى السير أبان بن عروة، ثم يزيد بن رومان الأسدي وموسى بن عقبة.
ثم جمعت جميع هذه الروايات في سيرة ابن إسحاق(3):
*سيرة ابن إسحاق: امتازت بعدة مميزات منها:
1-أنه أخذ نهج التسلسل التاريخي للسيرة من المبعث ثم المولد ثم المغازي.
2- يذكر جميع الروايات التي وجدت لديه في الحدث الواحد.
3- شهرة ابن اسحاق وعلمه وتميزه في علم السيرة.
* سيرة ابن هشام: وامتازت بعدة مميزات:
1- اختصر سيرة ابن اسحاق في المبدأ فلم يذكر إلا سيرة إسماعيل - عليه السلام -.
2- اختصر الأحداث التي وقعت في زمن النبي- صلى الله عليه وسلم - ولم يكن له ارتباط وثيق بها.
3- اختصر ولم يذكر الكثير من الأشعار الموجودة في سيرة ابن إسحاق.
4- اختصر ولم يذكر أشياء يشنع الحديث بها إما لمبالغات أو تناقضات أو شطحات.
*مغازي الواقدي.
* الدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر.
* السيرة الحلبية لعلي برهان الدين الحلبي.
*السيرة الشامية لمحمد بن يوسف الصالحي.
سادساً: كتب التاريخ العام:
وهذه لم تتناول أحداث السيرة وحدها بل ذكرت أحداثاً قبل السيرة وبعدها ومن أشهر هذه الكتب:
* كتاب تاريخ الأمم والرسل والملوك للإمام الطبري.
* كتاب الكامل في التاريخ لابن أثير.
* كتاب البداية والنهاية للحافظ ابن كثي، ر وقد امتازت بمميزات كثيرة منها:
1- الإمام الحافظ ابن كثير محدث فقد كان يذكر الروايات الكثيرة في الحدث الواحد.
2- تعليقه على الأحداث واستخراجه الدروس والعبر.
سابعاً: كتب الأدب والشعر:
حيث أنها أرخت لكثير من الشعراء في التاريخ، وجمعت شعرهم وعرجت على بعض المناسبات التي قبلت فيها هذه القصائد كما في شعر الصحابة مثل شعر حسان بن ثابت وابن رواحة وغيرهم غير أن هذا قليل.
----------------------------------------
(1) تفسير الطبري، 4/87.
(2) رواه البخاري، رقم 25)1/17، ومسلم(رقم 22) 1/53
(3) ينظر: هو محمد بن إسحاق، بن يسار، ولد سنة 80هـ، في المدينة وشب فيها وهو من أوائل من كتب العلم فيها قبل الإمام مالك، ثم رحل إلى الأسكندرية عام115، ومنها إلى الكوفة والجزيرة والري والبصرة واستقر به المقام في بغداد، ت سنة 151هـ، قال ابن عدي: لو لم يكن لأبن إسحاق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن الأشتغال بكتب لا يحصل منها شيء للاشتغال بمغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومبعثه ومبتدأ الخلق لكانت هذه فضيلة سبق بها ابن إسحااق). سير أعلام النبلاء للذهبي 7/37.