السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجوب اتباع سبيل المؤمنين
السؤال : فضيلة الشيخ حفظك الله تعالى :أشرت في بعض دروسك إلى وجوب إتباع أهل السنة والجماعة في العقيدة والمنهاج ، إلا أنك لم تفصل المسألة ولم تذكر أدلة على ذلك، فما هو الدليل الشرعي على وجوب إتباع سبيل أهل السنة والجماعة جزاك الله خيراً ونفع بعلمك آمين ؟
الجواب : الحمد لله رب العالمين ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ووحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
فإن إتباع سبيل أهل السنة والجماعة واجب بدلالة الكتاب والسنة وإجماع العلماء المعتبرين خلفاً عن سلف ، وكل من يخالف ذلك عقيدة أو منهاجاً فهو أثم خارج عن الفئة المنصورة إلى يوم الدين .
قال تعالى : ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ) . (115) النساء
فهذه الآية الكريمة تبين بيناً واضحاً لا يحتمل أدنى تأويل في وجوب إتباع سبيل المؤمنين ، وقد قرن الله سبحانه بين مشاققة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبين إتباع غير سبيل المؤمنين ، فكل من يتبع غير سبيل المؤمنين يكون مشاققاً للرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد توعد الله سبحانه كل من خالف سبيل المؤمنين بجهنم وساءت مصيراً أعاذنا الله منها ، والمقصود بسبيل المؤمنين الذي يجب على كل مسلم أن يتبعه ، هو سبيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، قال تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) التوبة
فهذه الآية الكريمة إخبار من الله سبحانه يتضمن المدح الدال على الوجوب ، فقد امتدح الله سبحانه طائفتين من الناس ، الطائفة الأولى وهم المهاجرون والأنصار ، وقد جاء السياق في مدحهم مطلقاً ، والطائفة الثانية وهم الذين اتبعوهم بإحسان ، وقد جاء المدح مقيداً بقيدين اثنين ،أولهما : الإتباع ، ثانيهما : وصف الإتباع وهو الإحسان ، وهذا دليل واضح على أن المقصود بسبيل المؤمنين هو سبيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم .
ومما يدلنا أيضاً على وجوب إتباع سبيل الصحابة قوله تعالى : ( فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) البقرة
وهذه الآية تضمنت شرطاً ترتبت عليه حقيقة، أي إن كان إيمان الناس مثل إيمان الصحابة رضي الله تعالى عنهم فقد اهتدوا ، وهذا مفهوم موافقة للفظ المتضمن مفهوم مخالفة للمعنى ، أي إن لم يؤمنوا بمثل ما آمنتم به ، فقد ضلوا ، فعلق المولى سبحانه وتعالى الهداية على متابعة الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وقد اتفقت هذه الآية بالمعنى مع الآية السابقة : (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ) . (115) النساء
فانظر يرحمك الله تعالى إلى تطابق اللفظين في كلتا الآيتين ،( يشاقق ) ( الهدى ) فالآية الأولى بينت أن من يخالف إيمانه إيمان الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، فهو في شقاق ، أي في منازعة للحق ، وكذلك الآية الثانية تبين أن من يتبع غير سبيل المؤمنين فإنما هو في شقاق ، ولا ريب أن مشاققة الحق خروج عن الهدى فتأمل ذلك .
وعلى ما سبق تعلم أخي الحبيب أن إتباع سبيل المؤمنين والذي هو إتباع الصحابة رضي الله تعالى عنهم واجب ، ويعتبر كل ما خالفه مخالفاً للحق مشاققاً له .
ويعزز هذا المعنى ما جاء في الحديث الصحيح عن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله وعظنا رسول الله r يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجات منها القلوب. فقال رجل: إن هذه موعظة مودّع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: (أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن عبد حبشي، فإنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه بسند صحيح
ويشتمل الحديث على فوائدة جمة يحتاج إليها طالب الحق الباحث عنه ونستخلص منها :
1 : الربط بين سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسنة الخلفاء الراشدين وذلك من خلال قوله صلى الله عليه وسلم : ( فعليكم بسنتي ، وسنتي الخلفاء الراشدين ) وهذا أمر دال على الوجوب ، فكما أن إتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة ، فكذلك إتباع سنتي الخلفاء الراشدين ، إذ إن عطف صلى الله عليه وسلم اتباع سنة الخلفاء الراشدين على إتباع سنته فقضى ذلك المشاركة في الحكم .
2 : إن سنة الخلفاء الراشدين ،هي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويتضمن ذلك من خلال تفريد الضمير في قوله صلى الله عليه وسلم : ( عضوا عليها ) والأصل أن يقول عضوا عليهما إذ ذكر صلى الله عليه وسلم سنتين لا سنة واحدة ، ومبنى هذا الأمر على موافقة الخلفاء الراشدين لسنة المصطفى ذلك عليه وسلم ولذا وصفوا بالراشدين المهدين ، ولن يكونوا راشدين مهدين إلا باتباع للحق الذي دلهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
3 : تعلق الضلالة بمخالفة سبيلهم وذلك من قوله صلى الله عليه وسلم : ( وإياكم ومحدثات الأمور ) . فقد جاء هذا اللفظ بعيد الأمر بالتمسك بسنة الخلفاء الراشدين ، وعليه يكون المخالف لسنة الخلفاء الراشدين مخالفاً في حقيقة الأمر سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، مما يؤدي به إلى الوقوع في المحدثات التي هي من الضلال المبين .
4 : إن وقوع الخلاف في الأمة من الأمور التي تؤدي إلى فشلها وهلاكها ،وأن السبيل الخروج منها هو إتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين ،لذا شدد الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة ، وأمر بالتمسك بسنة الخلفاء الراشدين بكل ما يستطيع المسلم من قوة حتى ولو كان ذلك بنواجذه .
ومفهوم الحديث بعموم ، أن المجتمع المسلم سوف يشهد اختلافات كثيرة ن واضطرابات فكرية بحيث يصبح المسلم غارقاً في متاهات اجتهادية يصل إلى درجة لا يعرف بها طري الحق الذي يجب أن يكون عليه ، ومن تمام ديننا الحنيف ، بين صلى الله عليه وسلم ما يجب أن يكون عليه المسلم في هذه المتاهات الكثيرة ، وهو إتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين ، فهو طرق الحق ، وهو سبيل النجاة في الدنيا والآخرة ، والشاهد من الحديث أن الخلفاء الراشدين لا يتصفون بهذا الوصف إلا أن يكونوا متبعين لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم التي عليها الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، إذ سنة الخلفاء الراشدين لا تنفصل عن سنة الصحابة .
ومن أدلة السنة على وجوب إتباع سبيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، ما جاء عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلّم قال : ( تفترق أمتي على ثلاثٍ و سبعين ملَّة ، كلُّهم في النار إلاَّ ملَّة واحدةٌ ، قالوا : و من هي يا رسول الله ؟ قال : ما أنا عليه و أصحابي ) . أخرجه الترمذي و غيره بإسناد حسن
وهذا الحديث موافق لما دلت عليه النصوص السابقة من الكتاب والسنة ، ففيه إشارة واضحة على وجوب إتباع الصحابة رصي الله تعالى عنهم في العقيدة والمنهاج ، ووجه ذلك فيما يلي :
1 : الإشارة إلى افتراق المسلمين إلى فرق كثيرة تكون جميعها هالكة إلا جماعة واحدة ، وهي التي تكون موافقة لما كان عليه الرسول وأصحابه ، وهذا دليل واضح على أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا على الحق باعتبار من وافقهم من الفرقة الناجية .
2 : جاء الحديث بصيغة الإخبار المتضمن للتحذير والمدح للدلالة على شيئين منفصلين ، فأما التحذير فمن خلال قوله صلى الله عليه وسلم ( كلها هالكة ) وأما المدح فمن خلال قوله صلى الله عليه وسلم ( إلا واحدة ) مما يدلنا ذلك على أن الفرقة المستثناة من الهلاك هي الفرقة الموافقة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، على خلافها من الفرق التي شملها الذم تضمناً .
3 : قوله صلى الله عليه وسلم : ( إلا واحدة ) فهذا اللفظ دال على أن أهل الحق جماعة واحدة ن وليسوا جماعات متفرقة ،
المصدر :شبكه اهل السنه الاسلاميه